الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال: فقرأت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حتى أتيت على آخرها أنّ البسملة ليست بآية منها، وكذا عدّ أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة؛ وأكثر القرّاء عدّوا: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، وكذا روى قتادة عن أبي نَضْرة عن أبي هريرة قال: الآية السادسة: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.وأمّا أهل الكوفة من القرّاء والفقهاء فإنهم عدّوا فيها: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ} ولم يعدّوا: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.فإن قيل: فإنها ثبتت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله، كما نقلت في النمل، وذلك متواتر عنهم. قلنا: ما ذكرتموه صحيح؛ ولكن لكونها قرآنا، أو لكونها فاصلة بين السور كما روي عن الصحابة: كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ}.أخرجه أبو داود أو تبرُّكًا بها، كما قد اتفقت الأمة على كتبها في أوائل الكتب والرسائل؟ كل ذلك محتمل. وقد قال الجُرَيري: سئل الحسن عن: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ} قال: في صدور الرسائل.وقال الحسن أيضًا: لم تنزل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.في شيء من القرآن إلا في: {طس} {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] والفيصل أن القرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال، وإنما يثبت بالنقل المتواتر القطعي الاضطراري. ثم قد اضطرب قول الشافعي فيها في أوّل كل سورة فدل على أنها ليست بآية من كل سورة؛ والحمد لله.فإن قيل: فقد روى جماعة قرآنيتها، وقد تولّى الدّارَقُطْنِيّ جمع ذلك في جزء صححه. قلنا: لسنا ننكر الرواية بذلك وقد أشرنا إليها، ولنا أخبار ثابتة في مقابلتها، رواها الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات. روت عائشة في صحيح مسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة ب {الحمد لله رب العالمين} الحديث. وسيأتي بكماله. وروى مسلم أيضًا عن أنس بن مالك قال: صلّيت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر، فكانوا يستفتحون ب {الحمد لله رب العالمين} لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} لا في أوّل قراءة ولا في آخرها.ثم إن مذهبنا يترجّح في ذلك بوجه عظيم، وهو المعقول؛ وذلك أن مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلّم بالمدينة انقضت عليه العصور، ومرّت عليه الأزمنة والدهور، من لَدُن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى زمان مالك، ولم يقرأ أحد فيه قطّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ} اتباعًا للسُّنة؛ وهذا يردّ أحاديثكم.بَيْدَ أن أصحابنا استحبّوا قراءتها في النفل؛ وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السَّعة في ذلك. قال مالك: ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يَعرِض القرآن عرضًا.وجملة مذهب مالك وأصحابه: أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها، ولا يقرأ بها المصلّي في المكتوبة ولا في غيرها سرًا ولا جهرًا؛ ويجوز أن يقرأها في النوافل. هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه. وعند رواية أخرى أنها تقرأ أوّل السورة في النوافل، ولا تقرأ أوّل أم القرآن. وروى عنه ابن نافع ابتداء القراءة بها في الصلاة الفرض والنفل ولا تترك بحال. ومن أهل المدينة من يقول: إنه لابد فيها من: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ} منهم ابن عمر، وابن شهاب؛ وبه قال الشافعي وأحمد وإسحق وأبو ثور وأبو عبيد. وهذا يدل على أن المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية، كما ظنه بعض الجهال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين؛ وليس كما ظن لوجود الاختلاف المذكور؛ والحمد لله.وقد ذهب جمع من العلماء إلى الإسرار بها مع الفاتحة؛ منهم: أبو حنيفة والثَّوْرِي؛ وروي ذلك عن عمر وعليّ وابن مسعود وعَمّار وابن الزبير؛ وهو قول الحكم وحماد؛ وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد؛ ورُوِيَ عن الأوزاعيّ مثل ذلك؛ حكاه أبو عمر بن عبد البرّ في الاستذكار. واحتجوا من الأثر في ذلك بما رواه منصور بن زاذان عن أنس بن مالك قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يسمعنا قراءة: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ}.وما رواه عمار بن رُزَيق عن الأعمش عن شعبة عن ثابت عن أنس قال: صلّيت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلّم وخلف أبي بكر وعمر، فلم أسمع أحدًا منهم يجهر ب {بسم الله الرحمن الرحيم}.قلت: هذا قول حسن، وعليه تتفق الآثار عن أنس ولا تتضاد ويخرج به من الخلاف في قراءة البسملة. وقد رُوي عن سعيد بن جبير قال: كان المشركون يحضرون بالمسجد؛ فإذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ} قالوا: هذا محمد يذكر رحمان اليمامة يعنون مُسَيْلِمة فأمر أن يخافت ب {بسم الله الرحمن الرحيم} ونزل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]. قال الترمذي الحكيم أبو عبد اللَّه: فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم وإن زالت العلة، كما بقي الرَّمَل في الطواف وإن زالت العلة، وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت العلة.
قلت: المشهور عن أهل اللغة بسمل. قال يعقوب بن السِّكيت والمُطَرِّز والثعالبي وغيرهم من أهل اللغة: بسمل الرجل، إذا قال: بسم الله. يقال: قد أكثرت من البسملة؛ أي من قول بسم الله. ومثله حَوْقَلَ الرجل، إذا قال: لا حَوْلَ ولا قوّة إلا بالله. وهَلّلَ، إذا قال: لا إله إلا الله. وسَبْحَل، إذا قال: سبحان الله. وحَمْدَل، إذا قال: الحمد لله. وحَيْصَل، إذا قال: حيّ على الصلاة. وجَعْفَل، إذا قال: جُعلت فِداك. وطَبْقَل، إذا قال: أطال الله بقاءك. ودَمْعَز، إذا قال: أدام الله عِزّك. وحَيْفَل، إذا قال: حيّ على الفلاح. ولم يذكر المُطَرِّز: الحَيْصَلة، إذا قال: حيّ على الصلاة. وجعفل، إذا قال: جُعلت فِداك. وطبقل، إذا قال: أطال الله بقاءك. ودمعز، إذا قال: أدام الله عزك.
فذكر اسم زيادة، وإنما أراد: ثم السلام عليكما.وقد استدل علماؤنا بقول لَبيد هذا على أن الاسم هو المسمَّى. وسيأتي الكلام فيه في هذا الباب وغيره، إن شاء الله تعالى.
أي بمثل ابن الماء أو ما كان مثله.
وقال آخر: قرضب الرجل: إذا أكل شيئًا يابسًا، فهو قرضاب. سِمُه بالضم والكسر جميعًا. ومنه قول الآخر: وسكنت السين من باسم اعتلالا على غير قياس، وألفه ألف وصل، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة؛ كقول الأَحْوَص:
|